الشرق الأوسط يراقب تداعيات المسيرات الإيرانية في أوكرانيا

دانيش كامات

أدى قرار إيران تزويد روسيا بطائرات كاميكازي مسيّرة وصواريخ باليستية قصيرة المدى لاعتمادها في أوكرانيا إلى جلب قوة طهران النارية إلى شوارع المدن الأوروبية. وأصبحت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الإيرانية المستخدمة ضد القوات في كييف مُعتمدة لدى الميليشيات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لسنوات عديدة، حيث اختبرت طهران أسلحتها وطوّرتها.

وبالإضافة إلى استعراض إيران لترسانتها من هذه الطائرات وتعزيز علاقاتها مع موسكو، يصبح تورطها في أوكرانيا طريقة لإخطار الغرب بأنه لو زاد الضغط على النظام من خلال العقوبات وعدم إبرام اتفاق نووي، فإن للبلاد القدرة على إشعال صراعات تتجاوز حدود منطقة الشرق الأوسط.

وتدرس طهران عن كثب مقدرة الأنظمة الغربية المضادة للصواريخ تحييد طائرات شاهد – 136 الإيرانية المسيّرة التي نشرتها روسيا في أوكرانيا. وكافح الداعمون الغربيون لأوكرانيا في التوصل إلى حل متكامل ضد طائرات كاميكازي التي تجمع بين الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية والأنظمة المتطورة المضادة للصواريخ، مثل باتريوت الأميركية التي لم ترسلها الولايات المتحدة إلى كييف حتى الآن. كما أن الطائرات الإيرانية المسيّرة أبطأ ويمكنها الطيران على ارتفاعات منخفضة مما يصعّب مهمة اكتشافها، حيث صُممت أنظمة الدفاع الجوي الحالية للأسلحة المحمولة جوا والأكبر حجما. ومع ذلك، تدعي أوكرانيا أنها أسقطت 300 طائرة دون طيار منذ منتصف سبتمبر، ولكن بتكلفة باهظة لاستخدامها دفاعات جوية مكلفة وطائرات نفاثة ضد سلاح رخيص نسبيا.

وحسب ما ورد، أرسلت إيران مستشارين تقنيين إلى شبه جزيرة القرم لمساعدة مشغلي الطائرات المسيرة التي تستخدمها روسيا. ويبدو أن طهران قد تجاوزت علاقة البائع بالمشتري من خلال إدخال مواطنيها أنفسهم في الصراع. وربما أدركت أنه في حال خسرت روسيا الحرب، فإن هذا سيعرض سيطرة الرئيس فلاديمير بوتين على السلطة للخطر. ويعدّ هذا الأمر محفوفا بالمخاطر بالنسبة إلى طهران التي توفر لها روسيا الدعم الدبلوماسي الذي تشتد الحاجة إليه في الأمم المتحدة، وتسمح لها بالحفاظ على وجود في سوريا. كما أن موسكو شريكة رئيسة في محطاتها النووية الحالية. وأشار بوتين بالفعل إلى قطيعة مع النظام الدولي الحالي من خلال التلميح إلى استخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة. ومن المحتمل جدا أن تساعد موسكو طهران بكثافة خلال هذه المرحلة في سعيها لامتلاك أسلحة نووية إذا فشلت المناقشات لإحياء الاتفاق النووي لسنة 2015.

وخلقت إيران تحديات لخصومها الإقليميين الذين سعوا لإنشاء نظام دفاع جوي إقليمي ضمن اتفاقيات إبراهيم. ومن المؤكد أن النظام في طهران يراقب بفرح بينما تكافح إسرائيل لدعم أوكرانيا بكل تفان. وفي الواقع، تماما كما كانت طهران غامضة بشأن دعم روسيا لأن للإيرانيين وجهة نظر متشككة بشأن غزو روسيا لأوكرانيا، فإن الحكومة الإسرائيلية تعوقها أيضا حقيقة أنه لا يوجد إجماع بين الإسرائيليين على دعم أوكرانيا. ومع ذلك، اختارت إسرائيل مساعدة أوكرانيا سرا حتى لا يقال إنها منحازة إلى جانب ضد الآخر، وخشية أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الاضطرابات الأخيرة التي تسللت إلى علاقاتها مع روسيا.

وأشارت بعض التقارير إلى أن الشركات الإسرائيلية الخاصة زودت أوكرانيا بصور الأقمار الصناعية لمواقع روسية، في حين عرضت إسرائيل تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الطائرات دون طيار الإيرانية وأنظمة الإنذار بالهجوم الجوي بدلا من الصواريخ الاعتراضية التي طلبتها كييف. وقد يعزز خوف إسرائيل احتمال وقوع أنظمتها المضادة للصواريخ في أيدي روسيا، فقد يمكّن ذلك إيران من اكتشاف نقاط ضعفها، أو في حال تبين أن أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية ليست قادرة تماما على تحييد أسراب من طائرات شاهد – 136 المسيرة.

وإذا كانت أوكرانيا تريد النصيحة حول كيفية صد تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الإيرانية، من الأفضل أن تسأل المملكة العربية السعودية. حيث استخدمت ميليشيا الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران الطائرات المسيّرة والصواريخ في استهداف منشآت الطاقة والبنية التحتية المدنية داخل المملكة مثلما يحدث في أوكرانيا اليوم. كما استهدفت الميليشيا موقعين في الإمارات العربية المتحدة في يناير الماضي.


وعُثر على الكثير من الطائرات المسيرة تطابق الطائرات الإيرانية أو تحتوي مكونات موجودة في الأسلحة الإيرانية يستخدمها الحوثيون في أماكن أخرى من المنطقة. كما عرض الحوثيون نسخة من طائرة شاهد – 136 في صنعاء في سبتمبر الماضي. وقد سمح استخدام الحوثيين لهذه لطائرات بتحسين طهران لتقنيتها واختبار فعاليتها ضد أنظمة مثل نظام الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت الذي تستخدمه السعودية، وكانت الولايات المتحدة قد زودتها به.
وتصدر إشارة واضحة عن طهران موجهة إلى منافسيها الإقليميين تمثلت في إحجام إسرائيل عن بيع نظام القبة الحديدية لأوكرانيا، والنشر غير المنتظم لأنظمة الدفاع الجوي التابعة لحلف الناتو التي لم تختبر فعاليتها ضد الطائرات المسيرة الإيرانية.

ومن المحتمل أن تكون هناك عواقب خطيرة لإحياء الاتفاق النووي لسنة 2015. فقد صرح مسؤولون غربيون أن عمليات نقل الطائرات المسيرة من إيران إلى روسيا تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ما قد يفعّل آلية سريعة لإعادة فرض عقوبات على إيران. ومن شأن هذا أن ينهي الاتفاق النووي. واقترح المحافظون الإيرانيون المقربون من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن تخرج إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في هذه الحالة. في الواقع، صرحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير لها أنها ليست في وضع يمكنها من “تقديم ضمانات بأن البرنامج النووي الإيراني هو برنامج سلمي حصريا”.

وربط خامنئي في خطاب ألقاه في التاسع عشر من أكتوبر بين الانتقادات الموجهة لتكنولوجيا الطائرات الإيرانية المسيرة والتقدم الذي حققته إيران في برنامجها النووي. وهذا يشير إلى أن الملفين مرتبطان الآن.

لكن السؤال الواضح الذي يستحق الطرح هو ماذا سيحدث إذا أدت قضية الطائرات الإيرانية المسيرة في أوكرانيا إلى انهيار الاتفاق النووي وتجاوزت إيران العتبة النووية برضا موسكو؟ من المرجح أن يكون لذلك تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط، بينما يبقى العالم مشغولا بمشاهدة دخول إيران في الحرب الروسية – الأوكرانية.

  • نقلا عن “العرب”
    المقالات و الآراء المنشورة على موقع قناة كلمة الفضائية تنشر لإعلام القراء عن آراء الآخرين ولاتعبر بالضرورة عن رأي أصحاب الموقع.

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …