لماذا لن تنجح مفاوضات فيينا؟

د. نضال شقير
وتســتمر جــولات المــفاوضــات فــي فــيينا على قدم وساق بــين ايــران ومجــموعــة 5+1 في سباق جدي مع الزمن لإحــياء إتفاق عــام 2015. إتفاق أبرمته إدارة الرئيس باراك أوباما مع طهران «لإستقرار المنطقة والسلم العالمي» وخرجت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب عام 2018 لنفس الاسباب. هذا فيما يترقب العالم بشغف نتائج هذه المفاوضات، لمعرفة عما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن ستنجح في إحياء هذا الإتفاق واي تنازلات يمكن أن تقدمها في هذا الإطار…

لا يخفى على أحد أن عملية احياء اتفاق 2015 كانت من الاولويات الرئيسية التي وضعتها سريعاً الإدارة الأميركية الحالية وذلك بعد أيام من انتخاب الديموقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب. وبالفعل طوت إدارة بايدن صفحة ترامب على عجل وذهبت بسرعة في هذا الإتجاه لتشهد فيينا ست جولات من المــفاوضــات مــا بــين نــيسان/ابــريــل وحــزيــران/يــونــيو مــن الــعام المــاضــي فــي عهــد الــرئــيس الــسابــق حــسن روحاني، لتعلق بعدها لخمسة أشهر بسبب الانتخابات الإيرانية وتعود وتستأنف في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي عبر جولتين جديدتين مع فريق الرئيس الجديد المتشدد إبراهيم رئيسي.

يقول نيكولو ماكيافيلي إنه في السياسة نادراً ما يكون الخيار بين الجيد والسيء بل بين الأسوأ والأقل سوءاً، وعملياً هذا أفضل قول يمكن أن يصف ما يجري في فيينا حالياً. فمفاوضات العاصمة النمساوية هي بطريقة أو بأخرى عملية مساومة أو ببساطة عملية إختيار طوعية للمخاطر التي تريد واشنطن من طهران أن تجمدها (مقابل حوافز إقتصادية بالدرجة الأولى)، وذلك من ضمن قائمة المخاطر الطويلة التي تشكلها الجمهورية الإسلامية في إيران على المنطقة والعالم.

المشكلة أن عملية الاختيار اليوم ليست سهلة بل معقدة للغاية، خاصة أن سيناريو اختيارات عام 2015 يلقي بظلاله وبقوة على المشهد الإقليمي وعلى اختيارات فيينا. إذ راهنت إدارة الرئيس أوباما حينها على تجميد المخاطر النووية الإيرانية من خلال إتفاق 2015 على اساس أن روحية هذا الإتفاق ستؤدي إلى تغيير سلوك إيران وبالتالي ضمان استقرار المنطقة والسلم العالمي. ولكن ما حصل كان عكس ذلك، إذ التزمت إيران بكل ما هو نووي وعليه حصلت على مبالغ مالية جيدة (جراء رفع جزء من العقوبات عنها)، غير أنها لم تلتزم بروحية إتفاق عام 2015 معتبرة أن المكتوب في هذا الإتفاق يشير فقط إلى النشاطات النووية ولا شيء سواها.

وبالتالي فقد استفادت من هذا الإتفاق والاموال الناجمة عنه لتطوير صواريخها البالستية ولتزيد نفوذها بشكل كبير عبر اذرعها وميليشياتها التي اصبحت خطر جدي وكبير يهدد المنطقة بأكملها. وهو ما دفع إدارة الرئيس ترامب في عام 2018 إلى الخروج من هذا الإتفاق بشكل احادي، معتبرة أن هذا الإتفاق ساهم في تعويم مخاطر إيران بدل من تجميدها.

وعليه في بداية مفاوضات فيينا، أخذت إدارة الرئيس بايدن (الذي كان نائباً للرئيس اوباما عند توقيع إتفاق عام 2015) شوائب هذا الإتفاق بشكل جدي وحاولت بدعم اوروبي أن تأخذها بعين الاعتبار، وذلك من خلال محاولة التوصل او الترويج لإتفاق جديد مع إيران يكون شاملاً وكاملاً ويتناول بشكل مكتوب كافة المخاطر الإيرانية وليس النووية منها فقط. ما يعني إتفاق جديد يرتكز على كل ما هو نووي بالإضافة إلى ثلاث نقاط رئيسية، أولها برامج الصواريخ الباليستية، وثانيها اذرع إيران المزعزعة لإستقرار المنطقة، اما ثالثها فهو إشراك دول الجوار كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في هذا الاتفاق. طبعاً طهران رفضت وبشكل قاطع الحديث عن اي إضافات جديدة على الإتفاق القديم وشددت وكررت أن الهدف من مفاوضات فيينا هو فقط العودة لإتفاق عام 2015، كما وضعت رفع العقوبات (كافة العقوبات) كخط أحمر لا مساومة عليه لإحياء هذا الإتفاق.

الملفت أنه مع تقدم المفاوضات لم يعد يذكر أحد فكرة الإتفاق الجديد الذي كان يعول عليه لوضع إطار جدي لكافة المخاطر الإيرانية، هذا فيما اختارت إدارة الرئيس بايدن التركيز على تحييد المخاطر النووية أولاً على غرار ما فعلت إدارة الرئيس اوباما. خاصة في ظل المعلومات التي تحدثت عن امتلاك طهران للتقنية النووية وإحرازها تقدماً في عملية تخصيب معدن اليورانيوم وانها اصبحت قاب قوسين او ادنى من صناعة قنبلة نووية.

وبالتالي اصبحت مفاوضات فيينا المكوكية في ايامها الأخيرة امام سيناريوهين لا ثالث لهما. إما العودة حرفياً لعشية 8 ايار/مايو 2018 (تاريخ خروج إدارة ترامب من الإتفاق) اي التوصل لإتفاق يتم خلاله رفع العقوبات أو جزء منها عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مقابل تجميد برنامجها النووي وعدم صنع قنبلة نووية خلال فترة الاتفاق. أو عدم التوصل لإتفاق وبالتالي البحث في خيارات اخرى لمواجهة مخاطر إيران النووية وغيرها من المخاطر الاخرى التي تقلق دول المنطقة.

وعليه هناك من يقول إن مفاوضات فيينا اليوم اصبحت في داخل حلقة واسعة ومفرغة وهي لن تنجح بالتأكيد… إذ أن إدارة الرئيس بايدن وحتى في حال تم الإتفاق وتمت العودة لإتفاق عام 2015 فهي لن تستطيع تحقيق هدفها المعلن والاساسي أي درء مخاطر ايران النووية الا مرحلياً فقط. فجميع التقارير الغربية ومنها الأميركية أعلنت وفي اكثر من مناسبة أن الجمهورية الإسلامية في إيران اصبحت تمتلك اليوم التقنية النووية وأنها اصبحت شبه قادرة على تصنيع سلاح نووي. وهذا يعني أن واشنطن تشتري من خلال هذه المفاوضات الوقت فقط من طهران باثمان باهظة وبالتالي هي تؤجل هذه المخاطر وتغذيها ما ينذر بإنفجار هذه المشكلة مجدداً في المستقبل القريب والقريب جداً.

كما أن إدارة الرئيس بايدن وفي حال العودة لإتفاق عام 2015 من دون وضع حد لمخاطر الصواريخ البالستية الإيرانية واذرعها التي تهدد اجواء المنطقة وبحرها ومدنها وامنها ووجودها، فهي تكون كمن يعطي طهران ولو بطريقة غير مباشرة الضوء الاخضر لهذه النشاطات المزعزعة للمنطقة وكمن يقبل بخارطة نفوذها الحالية. وهذا بلا شك سيكون له تداعيات مستقبلية اكيدة على الإتفاق المزمع في فيينا وسيعجل بسقوطه، بالإضافة إلى تداعيات كبيرة على الوجود والنفوذ الاميركي في المنطقة لصالح منافسيها المباشرين الصين وروسيا.

وتعليقاً على هذا الوضع المعقد والمتشابك يستذكر دبلوماسي أوروبي مرموق المثل الفرنسي الشهير الذي يقول “انسحاب جيد خير من اتفاق سيء”. فهل تختار إدارة الرئيس بايدن الإنسحاب التكتيكي من هذه المفاوضات في محاولة جادة منها لحل هذه المشكلة من جذورها ولمرة واحدة وأخيرة أم انها ستختار الذهاب نحو إتفاق صوري، اتفاق لمجرد الإتفاق يؤجل جزء من المشكلة بشكل مؤقت ويعظم الجزء الأكبر منها في تكرار لسيناريو عام 2015؟

نقلاً عن “العربیه”

المقالات و الآراء المنشورة على موقع قناة كلمة الفضائية تنشر لإعلام القراء عن آراء الآخرين ولاتعبر بالضرورة عن رأي أصحاب الموقع.

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …