رجال الدولة والزعماء مدى الحياة في إيران

أكبر كنجي*

آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 78 عامًا، من مواليد 19 أبريل 1939، وحلّ محلّ آية الله الخميني لمدى الحياة في 4 يونيو 1989. ويبدأ خامنئي عامه التاسع والعشرين من توليه مقاليد الحكم بعد نحو4 أشهر، إذ سيبقى في منصب المرشد طوال حياته في ظلّ نظام الجمهورية الإسلامية.

قد يعتقد البعض أن الشخص الوحيد الذي يبقى مدى الحياة في منصبه في الجمهورية الإسلامية هو المرشد، ولكن الواقع شيء آخر، وفي ما يلي ثلاث شخصيات تنطبق عليهم هذه الصفة

أولًا آية الله أحمد جنتي: جنتي من مواليد 23 فبراير 1927، ويدخل عامه الحادي والتسعين بعد أيام. كان ولا ييزال يتولى مناصب مهمة في الجمهورية الإسلامية: أمين مجلس صيانة الدستور، ورئيس مجلس خبراء القيادة، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وخطيب جمعة طهران المؤقَّت، وأمين المجلس التنسيقي لمؤسَّسة التبليغات الإسلامية منذ 1981، ورئيس لجنة إحياء الأمر بالمعروف منذ تأسيسها في 1994، وغيرها.

كان جنتي ضمن القضاة اللذين أصدروا ونفّذوا أحكام إعدام بحقّ عديد من القيادات لنظام الشاه السابق.

في الوقت الذي لم يتمكن فيه جنتي على غرار العضوين الآخَرين في مثلث الجيم (آیة الله مصباح يزدي وآية الله محمد يزدي) من الحصول على أصوات المقترعين في طهران للجلوس على الكرسي في مجلس خبراء القيادة، استطاع هو دخول هذا المجلس بفضل تزوير خامنئي بأساليبه الخاصة، ومِن ثَمَّ أوصل خامنئي جنتي إلى رئاسة مجلس الخبراء للانتقام من الشعب.

آيةُ الله خميني عيّن آيةَ الله أحمد جنتي كأحد الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور منذ تاسيسه 1980، ويترأس المجلس منذ 1993. ويُعتبر جنتي عضوًا في مجلس صيانة الدستور على مدى الحياة، وتتمثل مهمته في رفض أهلية المعارضين والمنتقدين والمنافسين.

قال أحمد جنتي في يوليو 2010 وهو يحيك الأكاذيب: “حصلت على وثيقة تشير إلى أن الولايات المتحدة قدّمَت عن طريق السعودية دعمًا ماليًّا يقدر بمليار دولار لـ(قادة الفتنة)، وبناء على ذلك أبلغ السعوديون بالنيابة عن الأمريكيين (قادةَ الفتنة): إذا تمكنتم من الإطاحة بالنظام فسنعطيكم 50 مليارًا إضافيًّا، ولكن الله سبحانه أخمد الفتنة على يد عباده الصالحين”.

وقارن جنتي في 2014 زعيمي الحركة الخضراء بموسوليني معتبرًا أنهما يستحقَّان الإعدام، وتساءل: “لماذا يتنقل الزعيمان الآخران لحركة الفتنة (محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني) بحُرِّية؟ فأحدهما مستمرّ في نهجهما (موسوي وكروبي)”.

ثانيًاحسين شريعتمداري: من موالید 1948، وهو على وشك الدخول في عامه السبعين، ويُعرف بأنه “الجوهرة القنَّاص” الخاصّ بعلي خامنئي في مواجهة أصحاب الرأي الآخَر. يتمتع حسين شريعتمداري بأساليبه الخاصة لإقصاء المعارضين والمنتقدين والمنافسين، وذلك من خلال إطلاق الأكاذيب، والاتهامات والافتراء وتلفيق ملفات أمنية ضدّهم.

عين آيةُ الله خامنئي في 22 ديسمبر 1993 حسين شريعتمداري مندوبًا له ومديرًا لمؤسسة “كيهان”، واعتبر خامنئي شريعتمداري في مرسوم تعيينه “شخصية ذات قيمة رفيعة”، و”سجله حافل بالإنجازات والكفاءات الثقافية التي قلّ نظيرها”. وطلب خامنئي من شريعتمداري التصدِّي لهجوم الأجانب الذين “يستغلون” الحريات المتاحة في الجمهورية الإسلامية، قائلًا: “(كيهان) بقيت نزيهةخلافًا لوسائل الإعلام الأخرى”. وبدأ شريعتمداري عامه الرابع والعشرين لتمثيل خامنئي في “كيهان”، حيث يُعتبر هو الآخر مندوبًا مدى الحياة لخامنئي في المؤسسة.

ثالثًامحمد باقر قاليباف: من مواليد 23 أغسطس 1961، يبلغ من العمر 56 سنة. عُيّن قائدًا لمقر خاتم الأنبياء في 1994. في عام 1997 عيّنه قائدًا للقوات الجوية في الحرس الثوري آية الله خامنئي، وعُيّن قائدًا لشرطة الجمهورية الإسلامية من 2000 حتى 2005. وكان العميد قاليباف من ضمن قيادات الحرس الثوري الموقعين على رسالة تهديد موجَّهة إلى الرئيس سيد محمد خاتمي. وشهدت فترة قيادته للشرطة حملة اعتقالات بحقّ عشرات المثقََّفين والصحفيين الذين استُدعوا إلى مديرية الأمن التابعة للشرطة واستجوِبوا.

وصرح قاليباف في 2013 تعليقًا على قمع الحركة الاحتجاجية للطلاب في 9 يوليو 1999: “حول حادثة السكن الجامعي في 1999 يجب أن أقول إنني كتبت تلك الرسالة (رسالة قادة الحرس الثوري إلى الرئيس آنذاك محمد خاتمي)، كتبناها أنا والسيد سليماني. كنت قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري عندما بدأ الناس يتوجهون نحو بيت المرشد. هناك صورة لي انتشرت وأنا أقود دراجة نارية تحمل لوحة رقم 1000 وأمسك هراوة بيدي، أنا وحسين خالقي. كنت واقفًا في الشارع لأقمع التظاهرات. كانت مسؤوليتي تقتضي بأن أعتدى بالضرب بالعِصِيّ (على المتظاهرين) عندما اقتضت الضرورة. كنت من ضمن الذين يعتدون (على المتظاهرين) بالعِصِيّ، وأنا أفتخر بذلك. لم أكُن أتساءل حينها ماذا أفعل أنا الجنرال وقائد القوات الجوية وسط الشارع”.

وقال قاليباف عن الحركة الخضراء وزعمائها: “لم يبلغ العناصر الرئيسية المتورطة في تلك الأحداث، بخاصة قادة الفتنة، النضج السياسي، كما أنهم لا يؤمنون بأي دين ولا يتصرفون بعقلانية. ويرى الشعب الإيراني الشريف أن الذنب الذي ارتكبه هؤلاء يعادل ما اقترفه الذين نسمّيهم المنافقين”.

لقد رُشّح قاليباف لخوض الانتخابات الرئاسية في 2005 و2009 و2013، ولكنه انسحب من الانتخابات في 2009 بسرعة ولم يحصل على أصوات المقترعين في 2005 و2013. ويُعتبر قاليباف أحد المرشَّحين المحتمَلين للأصوليين لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.

یتولی قاليباف منصب عمدة طهران منذ سبتمبر (أيلول) 2005، أي نحو 11 عامًا و5 أشهر. يليه غلام حسين كرباسجي الذي شغل هذا المنصب لمدة 9 سنوات، ويحتلّ غلام رضا نيك بي المرتبة الثالثة من ناحية عدد سنوات الخدمة كعمدة للعاصمة، إذ استمر فيها لمدة 7 سنوات و5 أشهر، وکان نيك بي عمدة طهران من 1969 إلى 1977.

ومن الأسباب الكثيرة التي تصعّب حصول قاليباف على نسبة عالية من التصويت في الانتخابات الرئاسية في 2017:

أ- النظرة الشعبية السلبية تجاه تعزيز وبسط شامل للسلطة السياسية والاقتصادية للحرس الثوري.

ب- دور قاليباف في عمليات القمع ومواقفه السياسية المناهضة لأصحاب الرأي الآخر وقادة الحركة الخضراء.

ج- الكشف عن ملفَّات فساد كثيرة له في قضايا تتعلّق ببيع الأراضي وتسليم ممتلكات بأسعار منخفضة للغاية، وتقديم دعم ماليّ واسع للمؤسَّسة الخيرية التي تترأسها زوجته.

د- حادثة حريق مبنى بلاسكو، إذ أشار موقع تابع لعلي لاريجاني في مقال إلى أن قاليباف هو من يتحمَّل مسؤولية الحريق.

وبغضّ النظر عن ترشُّح قاليباف لخوض الانتخابات الرئاسية من عدمه، فبافتراض أن المتشددين سيحصلون على الأغلبية في انتخابات مجالس مدينة طهران من خلال عمليات تزوير منظَّمة وممنهجَة، سيؤدِّي هذا إلى استمرار قاليباف في منصبه بصفته عمدة طهران، كأن قاليباف سيبقى عمدة طهران مدى الحياة.

واللافت أن كل وكالات الأنباء والمواقع التابعة للحرس وقوات الباسيج حمَّلَت حكومة روحاني مسؤولية كارثة مبنى بلاسكو ودافعت بشكل كبير عن قاليباف.

» النتيجة

السُّلْطة تجلب الفساد، والسُّلْطة المُطلَقة تجلب فسادًا مُطلقًا. كان الفلاسفة السياسيون في الماضي يظنُّون أنه يجب منح السُّلْطة لشخص يتمتع بالعدالة. أثبت مونتسكيو أن السُّلْطة والعدالة لا تجتمعان، وأن السُّلْطة المطلقة ستسحب قوة العدالة من صاحب السُّلْطة. إن الديموقراطيات حاولت التغلُّب على هذا المعضل من خلال تحديد فترة حكم الزعماء السياسيين في السُّلْطة بفترة خاصَّة قابلة للتمديد، أو من خلال أساليب وحدود أخرى.

حتى إذا كان الزعماء السياسيون من الملائكة، فإن السُّلْطة كانت ستقضي على قدرتهم على بسط العدالة. يبني الفلاسفة السياسيون فرضياتهم لصياغة النظام السياسيّ العادل على مبدأ يفيد بأن الزعماء السياسيين محتالون، إنما يسعون لتحقيق مصالحهم.

يمكن اعتبار أن كل زعيم سياسي هو هتلر محتمَل، لذلك يجب خلق هيكليات تحدّ من الفساد والتهديد للسياسيين قدر الإمكان. ويجب تدشين أجهزة ومؤسَّسات من شأنها الدفاع عن الشعب أمام السُّلْطة الثانية للنظام السياسي. الحكم مدى الحياة يعني سُلْطة الفساد والتمييز والتخريب والقمع.

كتب اللواء محسن رضائي في تغريدة بمناسبة انتهاء فترة رئاسة باراك أوباما: “ذهب أوباما، ولكن بشار الأسد ما زال رئيسًا لسوريا”. لم يفهم رضائي بعد مرور نحو 38 عامًا على توليه مناصب سلطوية، ما وجه الخلاف بين الديمقراطية والدكتاتورية، كأنه كان يُفترض بأوباما أن يكون رئيسًا مدى الحياة أيضًا!

*كاتب وباحث إيراني

(مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية)

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …