سيناريوهات سياسة ترامب تجاه إيران

تمهيد

تحدث الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في أكثر من مناسبة عن الخطر الإيراني، ليس في منطقة الخليج فحسب وإنما على العالم أجمع، مركزا في حديثة على النواتج السلبية والخطيرة الناجمة عن الاتفاق النووي مع النظام الإيراني”، فهل هذا يعني ان السياسة الامريكية في ظل إدارة ترامب تجاه إيران ستكون ضد الطموحات الإيرانية، وخصوصاً أن وزير الدفاع الأميركي الجديد، جيمس ماتيس، يعتبر ومتشدداً تجاه النظام الإيراني وكيف سياسة ترامب الخارجية المتوقعة تجاه المنطقة؟

أولاً: محددات سياسة ترامب تجاه إيران

في ظل وجود المقربين من ترامب أمثال السيناتور توم كوتن من ولاية تكساس، والعمدة السابق لمدينة نيويورك رودولف جولياني، والسيناتور السابق جون كيل من ولاية أريزونا، والذين أظهروا موقفاً عدائياً تجاه إيران. إضافة إلى دونكان هانتر، عضو الكونجرس السابق عن الحزب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، الذي طالما دافع عن فكرة الاستعمال التكتيكي للأسلحة النووية ضد إيران. لذا فانه “على الأرجح سيعتمد ترامب موقفاً حاداً تجاه إيران”. ومن هنا فمن المتوقع أن تعود “الولايات المتحدة الأميركية إلى سياسة الاحتواء فيما يخص مواجهتها مع طهران، وربما ستعتمد سياسة العقاب من خلال الضغط العسكري والبحث عن فرص لتغيير النظام”.

إلا أن الواضح من سياسة ترامب حول الملف الإيراني، بأنه لا يمتلك سياسة محددة بعد للتعامل مع النظام الإيراني، فكل ما يمتلكه هو موقفه من الاتفاق النووي، حيث أعلن عنه قبل الفوز في الانتخابات الرئاسية. كما قال حرفيا في إحدى المناسبات إنّ الاتفاق النووي هو “أسوأ ما يمكن أن يكون قد تمّ التفاوض عليه على الإطلاق”، وقد وعد في حال فوزه بأن يجعل من تفكيك الاتفاق النووي “الأولوية رقم 1” لديه.

لكن في المقابل، ترامب كان قد ذكر أيضا أنّه سيقوم بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي لتحسين شروطه، وتشديد القيود على إيران، ومراقبة التطبيق التام لكافة بنوده، بشكل لا يسمح للنظام الإيراني باستغلاله لغايات أخرى. وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن من غير المعروف ما إذا كان ترامب سينهي الاتفاق فعلاً، أو سيقوم بإعادة التفاوض عليه. ومن هنا نستطيع أنّ نقول ان شكل السياسة التي سيتم إتّباعها تجاه إيران لم يحدّد بعد بشكل واضح.

إلا أن المرجح أن سياسة ترامب تجاه إيران لم تكن كالسياسة الامريكية السابقة في عهد أوباما، وهناك العديد من المؤشرات أهمها توعد دونالد ترامب، برد قاس على أي سفينة إيرانية تضايق البحرية الأمريكية في مياه الخليج، حال فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

ثانياً: مضامين خطاب ترامب تجاه إيران

خطابات الرئيس الأمريكي “ترامب” قبل الفوز وبعده، تحمل اتجاهات معادية لإيران، والالتزام مطلق تجاه الكيان الصهيوني. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية يُغيِّر شيئا في علاقات أمريكا الخارجية بالدول وخاصة دول الشرق الأوسط، خصوصا وأن الإدارة الأمريكية تتبع سياسة استراتيجية معينة ومستمرة. إلا أن الثابت في الأولوية المطلقة للسياسة الخارجية الأمريكية، هي ضمان أمن واستقرار إسرائيل في الشرق الأوسط، والحفاظ على مصالحها التي تسعى إليها. ولو أن هناك تغييرا في السياسة الامريكية الخارجية فلن يكون بشكل جذري ولكن في طريقة التناول. وليس بالضرورة ان يكون الحفاظ على أمن إسرائيل مرتبط بعداء مطلق ضد إيران، فالعقوبات الجزئية كافية بتحجيم إيران وتهديدها لأمن إسرائيل.

ثالثاً: ردود الفعل الإيرانية تجاه خطاب ترامب

كان انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجأة كبيرة لإيران، مما دفع المرشد الأعلى خامنئني والرئيس حسن روحاني، اتباع سياسة ضبط النفس، والاكتفاء بأن إيران غير معنية بنتائج الانتخابات الأميركية. وأنها مستعدة للتعامل مع أي أحد؛ إلا أن إيران لم تخف قلقها من التهديديات التي قطعها ترامب في حملته الانتخابية والمتعلقة بإلغاء الاتفاق النووي. وذلك من خلال الردود الرسمية الإيرانية تجاه وصول ترامب للرئاسة وأهمها:

في خطاب ألقاه المرشد الأعلى على خامنئي يوم 16 نوفمبر عام 2016، ذكر أنه لا يهم إيران من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، وأكد خامنئي أنه منذ قيام الثورة الإسلامية فان كل من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري أظهروا العداء تجاه الشعب الإيراني.

الرئيس حسن روحاني قال خلال اجتماع لمجلس الوزراء أن الولايات المتحدة تعمل على استغلال الخوف من إيران لتجنيد إجماع عالمي ضدها. وأضاف روحاني لهذا فضل أن يكون الاتفاق النووي الإيراني مع عدة دول، ولم يكن مع الولايات المتحدة الامريكية وحدها.

وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، قال خلال زيارة لرومانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تنفذ الالتزامات الدولية التي تعهدت بها كجزء من الاتفاق النووي على الرغم من أنها لا تقيم علاقات سياسية مع إيران. وأشار على رئيس الولايات المتحدة ان يتفهم الواقع العالمي.

علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، قال إن نتائج الانتخابات لن يكون لها أي تأثير على إيران.

قائد الباسيج والحرس الثوري محمد رضا نقدي، قال إن ترامب يمثل الوجه الحقيقي للولايات المتحدة. ومن المرجح أن يساهم قدومه في تسريع زوال الولايات المتحدة في أقل من عشرين عاما.

غلام علي حداد عادل، كبير مستشاري المرشد الأعلى ورئيس مجلس الشورى السابق، أشار إلى أن الرؤساء تميل إلى تقديم وعود خلال الحملة الانتخابية وألا تعمل بها عند اختيارها. وقال ان قدوم ترامب لن يؤثر على الاتفاق النووي.

والملاحظ من التصريحات الإيرانية الرسمية؛ ان الحكومة الإيرانية حريصة كل الحرص على استمرارية الاتفاق النووي، كما أنها لا تكترث كثيراً إلى السياسات الامريكية باتجاهها وإنها تؤمن بان السياسية الامريكية دائما معادية لإيران بغض النظر عما يمثلها.

رابعاً: البدائل والسيناريوهات

السيناريو الأول: السيناريو التشاؤمي

يشير الخطاب السياسي للرئيس المنتخب ترامب وتصريحاته القليلة حتى الآن إلى وجود حالة من عدم اليقين الأقرب إلى التشاؤم بخصوص استمرار مسار الانفتاح على إيران والذي أُقر وفق الاتفاق النووي. مثل هذا السيناريو سيرسل رسائل سلبية للجمهورية الإسلامية؛ وهو ما سينعكس في عودة إيران إلى مربع ما قبل الاتفاق من حيث إخفاء أنشطتها من جهة والتعاون مع وكالة الطاقة النووية من جهة أخرى.

السيناريو الثاني: العودة للعقوبات

من المتوقع ان يتخذ ترامب إجراءات تعزز من نفوذ الولايات المتحدة على إيران، ومن بين هذه الإجراءات:

1ـ الضغط على الاقتصاد الإيراني، وتحديدا الجهات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وذلك من خلال الحد من رغبة الشركات الأجنبية في الدخول إلى الأسواق الإيرانية.

2ـ وضع شروط على الشركات الدولية المتعاملة مع الشركات الإيرانية أن يكون انجاز المعاملات بالدولار الأمريكي فقط.

وعلى الرغم من وجود من يقول إن الاتفاق النووي اتفاق أممي، وأن العقوبات كانت تحت الفصل السابع وأزيلت وبالتالي من الصعب إعادة العجلة إلى الوراء؛ ولكن مثل هذا الكلام يمكن أن يكون له تأثير ولكن لن يعيق الإدارة الجديدة في حال عدم امتلاكها لخيارات أخري.

السيناريو الثالث: الضربة العسكرية

من الممكن أن يندفع النظام السياسي في إيران إلى اتباع سياسة أكثر عدائية وربما ستنعكس في رفض أي مقترحات أميركية بخصوص إعادة التفاوض أو حتى إبطاء خطوات تنفيذ الاتفاق. مثل هذا الخيار ربما يدفع إلى تصعيد كلامي وسياسي، الأمر الذي قد يعيد الخيار العسكري المحدود ضد المنشآت النووية الإيرانية إلى دائرة التوقعات. مثل هذا السيناريو ستكون له ارتداداته الإقليمية من قبل إيران لا سيما في ملفات مثل الملفين السوري واليمني.

السيناريو الرابع: سيناريو البناء

عهَدَ ترامب إلى فريق ضمن حملته الانتخابية للعمل على تقييم شامل للاتفاق النووي والمزايا التي تحصل عليها إيران بموجب الاتفاق، وكذلك الالتزامات المطالبة بها من قبل المجتمع الدولي، مثل هذا التقييم سيصبح الآن أحد أهم المرجعيات لخطواته القادمة نحو إيران، وربما يري مستشارين ترامب بأنه لا مانع من استمرار الاتفاقية والعمل على تطويرها وذلك خشية من رد فعل إيراني في المنطقة الإقليمية وضد المصالح الامريكية.

ختاما

بعد استعراض السيناريوهات المستقبلية للسياسة الخارجية الامريكية المتوقعة تجاه إيران في عهد الرئيس الأمريكي الجديد ترامب؛ إلا أنه يبقي السيناريو الثاني (فرض العقوبات) هو الأقرب للمنطق؛ وذلك يرجع الا أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يحددها رئيس الدولة وحده، ولكن هناك مؤسسات مثل الكونجرس ومراكز اتخاذ القرار تؤثر على طبيعة العلاقات الأمريكية بالدول.

لذا فإن خيارات ترامب محدودة بالنسبة لمعالجة العلاقة مع إيران لا سيما الملف النووي الإيراني. وحتى في حال فشل ترامب في أن تكون العقوبات الاقتصادية على إيران أممية فإنه من الممكن أن ينجح في منع الشركات الأميركية من التعامل مع إيران؛ بعبارة أخرى يمكن لإدارة ترامب الاكتفاء بإجراءات تعقد تنفيذ الاتفاق وتحد من تفاعل قطاع الشركات والأعمال وكذلك النظام المالي الأميركي مع إيران، ومن المتوقع أن يتلقى ترامب مساعدة في هذا المجال من الكونغرس الذي يسجل حضور الأغلبية الجمهورية في مجلسيه وكذلك من إسرائيل وربما من الغاضبين من سياسة إيران في الشرق الأوسط.

المصدر| المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …