يا “سيف الدولة”: لا حليب في حلب!

محمد الرطبان

 

(1)

 

تقول الحكاية: كان هنالك ملك لديه بقرة تُسمَّى “الشهباء”، استعصى على الجميع الاقتراب منها وحلبها. قرَّر الملك أن يحلبها بنفسه، وحصل له ما أراد، فصار الذين حوله يخبرون الآخرين بأنَّه: حلب الشهباء.. حلب الشهباء!

 

الحكاية الثانية تقول: إنَّ النبيَّ إبراهيم -عليه السلام- كانت لديه بقرة شهباء، كان يوزِّع حليبها على الفقراء في المدينة، وتكفيهم وتزيد، ويأتون وهم يحملون آنيتهم، ويستبشرون عند حلبها: لقد حلب الشهباء.. حلب الشهباء.

 

حلب الشهباء -الآن- يعاني أطفالها نقص الحليب!

 

(2)

 

هي من أقدم المدن في العالم، سكنها الإنسان وعمَّرها قبل 14 ألف سنة، وإلى قبل عامين تجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة. واليوم، تتم إبادتهم أمام مرأى العالم الذي يتفرج بصمت!

 

وحلب، الآن، مدينتان في مدينة واحدة: حلب الغربيَّة، وحلب الشرقيَّة.

 

حلب التي انتفضت مع الذين انتفضوا، وحلب التي ما تزال تردِّد الأغاني الوطنيَّة التي كتبها ولحَّنها النظام.

 

حلب التي تسهر في الملهى على أصوات الإيقاعات.. وحلب التي تسهر على أزيز الطائرات، ودوي البراميل المتفجِّرة.

 

حلب الطفلة الخارجة من الركام، وتسأل: أين أبي؟

 

وحلب السيدة المترَفة التي تستعد لشراء هدايا رأس السنة!

 

حلب الشرقيَّة التي تراها في نشرة الأخبار، وكأنَّ زلزالاً مدمِّراً يضربها كل يوم..

 

وحلب الغربيَّة التي يزعجها انقطاع الإنترنت أحياناً!

 

في حلب الشرقيَّة، كل يوم يموت العشرات.

 

في حلب الغربيَّة، كل يوم يأتي ساكن جديد: في الغالب علويّ أو شيعيّ.

 

(3)

 

‏من عاصمته حلب، كان ‏الشيعيُّ العربيُّ سيف الدولة الحمداني يصدُّ كلَّ الغزاة عن أرض العرب.

 

واليوم، ترى في حلب الإيرانيَّ واللبنانيَّ والأفغانيَّ والعراقيَّ والباكستانيَّ (جمعهم التشيُّع) وتجمعهم صورة -سيلعنها التاريخ ويبصق عليها- بجانب جنرال روسي!

 

– أحد حكماء الشيعة في هذا الزمان، اللبناني “علي الأمين”، قال: ولاية الفقيه حدودها إيران، وليست عابرة للحدود، ولا يجوز أن تكون للشيعة في أوطانهم مشروعات مستقلة. عليهم أن يكونوا نسيجاً من أوطانهم.. لا وقوداً لمشروعات إيران.

 

– الشيخ صبحي الطفيلي (رجل دين شيعي لبناني) أيَّد بصراحةٍ وجرأةٍ، الثورة السوريَّة، وأعلن: أنَّ من يُقتل من حزب الله في سوريا فهو في جهنم.

 

– حسن نصر الله يرى أنَّهم شهداء.. ووعدهم بالجنة!

 

– حسن نصر الله يتحدَّث بلغة عربيَّة فصيحة.. لا يمكنك إعرابها إلاَّ بالعودة لكتاب النحو الفارسي!

 

ستغضب مني اللغة، والتاريخ، والشرف؛ لأنَّني أضع اسمه في فقرة واحدة مع سيف الدولة الحمداني.

(4)

 

سيأتي اليوم الذي يغيب فيه حسن نصر الله -وأشباهه- من المشهد، وستتغيَّر الأحداث.

 

سيغيب هؤلاء الذين يتباهون بتجوُّل قاسم سليماني -وتحت حمايتهم- في أربع عواصم عربيَّة.

 

ستسقط كل المليشيات والأحزاب التي صنعتها إيران كخناجر سامَّة تُغرز في الجسد العربيِّ.

 

ما الذي سيقوله التاريخ عن هؤلاء “العرب” الذين اختاروا أن يحملوا البندقيَّة الإيرانيَّة، ويصوبوها نحو صدور بني عمومتهم العرب؟!

 

هل سيقول عنهم ما قاله عن سيف الدولة الحمداني (الشيعيّ العربيّ)، الذي عاش عمرَهُ يردُّ الغزاةَ الرُّومَ عن الأرضِ العربيَّة؟

 

هل سيتغنَّى بهم مثلما فعل المتنبي مع سيف الدولة؟

 

هل يستوي من ردَّ الروم بسيفه بمن فتح الباب للروم والفرس معًا؟!

 

التاريخ انحنى باحترام، وقال -وسيقول الكثير- عن سيف الدولة، وتغنَّى به على لسان المتنبي:

 

أنتَ طُولَ الحَيَاةِ للرُّومِ غازٍ

 

فَمَتى الوَعْدُ أن يكونَ القُفولُ

 

وَسِوى الرُّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ

 

فَعَلَى أيِّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ

 

قَعَدَ النّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ مَساعيك

 

وَقامتْ بها القَنَا وَالنُّصُولُ

 

ما الذي عِنْدَهُ تُدارُ المَنَايَا

 

كالَّذِي عِندَهُ تُدارُ الشَّمولُ

 

(5)

 

سيبقى الحمداني: “سيف” الدولة..

 

وسيظل نصر الله وأشباهه: خناجر!

 

صحيفة “المدينة”

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …